نعيم الجنه
ما نراه من جمال في الدنيا، وما نجده نعيمها؛ جعل الإنسان أكثر تشبثا بها، وحبا للحياة، وكرها للموت؛ لأنه إذا مات فقد نعيم الدنيا. وفي الجنة نعيم أكبر من نعيم الدنيا، وفيها مساكن أعظم من مساكن الدنيا {وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة:72] فهي مساكن حَسَنَةُ الْبِنَاءِ، طَيِّبَةُ الْقَرَارِ، كَمَا جَاءَ فِي حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" متفق عليه.
فحري بالمؤمن وهو يرى جمال الأرض إذا ارتوت بالماء، ويحس جمال الأجواء وقد تطهرت بالأمطار، وينتعش بريح الطل والندى أن يجعل من ذلك تذكرة له لبناء آخرته بالإيمان والعمل الصالح؛ فإن جمال الأرض بالأمطار لا يدوم؛ ولذا يهتبل الناس فرصته للنزهة والاسترواح، ويعدون العدة لذلك، وينفقون الأموال عليه. والدنيا بأسرها ليست دار خلد ولا إقامة. وللعبد دار أخرى تنتظره، فليعد لنفسه فيها بناء وغراسا بالعمل الصالح؛ ليجد ذلك أمامه.
وأول ذلك: شكر الله تعالى على ما أنزل من الغيث المبارك، وتسخيره في طاعة الله تعالى، والبعد عن معصيته، ونشر شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أماكن الفرجة والاسترواح، وأن لا تستخف هذه النعم عقول الناس فيستهينوا بالمحرمات، ويرتكبوا الموبقات، وهم يستمتعون بما أغدق الله تعالى عليهم من النعم، وما أنزل عليهم من الغيث الذي كانوا يرجونه. وشكرهم يزيد نعمهم، كما أن كفرهم يسبب عقوبتهم {مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147] {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].]وصلوا وسلموا على نبيكم...
|